إن المتابع للمد والجذر للحوار بين المسلمين وغيرهم خلال السنوات الأخيرة ،يشهد اختلافا شديدا ،وتقاربا بسيطا في العديد من القضايا ، التي تشغل عددا كبيرا من المثقفين ،ومن ذلك موضوع نقل الأعضاء البشرية أو جزء منها -- من إنسان لآخر ، وبخاصة "الكبد" الذي يعانى منه الكثير من الناس ، بنسب تختلف في الكم والكيف من مجتمع لآخر ، وقد شغلت بهذا الموضوع منذ ما يزيد عن خمسة عشر عاما، وأخذت أتابع الأمر بكل دأب وحرص، وتجمع لدى قدر لا بأس به من الكتب العلمية والدينية والقانونية ، والبحوث والمقالات المتنوعة وحوارات المؤتمرات التي كانت تعقد من وقت لآخر ، في هذا البلد أو ذاك ، فضلا عما كانت تصدره النقابات الطبية والمراكز البحثية من قرارات وتوصيات ؛ للإعلان عن مواقفها في بعض الأمور، التي اشتعل الحوار فيها بالعديد من البلدان العربية والإسلامية ، ومع كل ذلك لم تحسم القضية تماما ، ولا زال الخلاف موجودا خاصة بين الأطباء في قضية "موت جذع المخ في الإنسان" (الموت الإكلنيكي)إلى غير ذلك من الأمور المتصلة بهذا الموضوع بكافة أحواله والتي سوف نعرض لها في الصفحات التالية .
أولا ـ دعوة الإسلام إلى البذل والعطاء والتضحية ،خاصة بين الأقارب :
يأتي التوجه بالدعوة إلى نقل الأعضاء البشرية وزراعتها مقترنا بعدم إلحاق الضرر بالمتبرع وتحقيق المنفعة للمنقول له ، انطلاقا من دعوة الإسلام إلى إحساس الفرد باحتياج الآخرين، وفق شريعة الإسلام التي تنظر إلى الإنسان على أنه فرد في جماعة يعطيهم ويأخذ منهم سواء أكان ذلك مالا يزكى به ويتصرف فيه ،مع أنه ملك لله تعالى ، أو كان دما لا يضره أن يؤخذ قدر منه تتحقق به المنفعة لمريض في حاجة إلى هذا الدم ، الذي سخره الله ؛ لتستمر به حركة الحياة ، وتزداد قيمة التضحية والعطاء إذا كان التبرع بعضو أبو بجزء من الأعضاء بلا تعارض جوهري في الإقرار بأن كل شئ ملك لله تعالى ولا يجادل الناس كثيرا في حتمية الحرص على سلامة الجسم وتناول العلاج ، قال للأعراب عندما جاءوا يسألونه عن الدواء فقال "ما أنزل الله داء إلا وأنزل له شفاء ، علمه من علمه ، وجهله من جله" ولذلك يعد التطور العلمي في نقل الأعضاء من إنسان لآخر طفرة حضارية راقية ينبغي استثمارها لخدمة البشرية ، وأولى بالمسلمين أن يتحاوروا عنها بما ينعكس أثره على سلامة أبدانهم وزيادة نشاطاتهم في الحياة .
ثانيا- التبرع بالأعضاء من الأحياء إلى الأحياء :
يعتبر التبرع بعضو أو بجزء منه من حي إلى حي أمرا جائزا من الناحية الشرعية والطبية عند معظم علماء المسلمين ، ولن يشذ عن ذلك إلا القليلون الذين رأوا أن الجسم ملك لله ، وليس للإنسان حتى يتبرع به ، أو يتنازل عنه ، وهذا التبرع ليس أمرا مطلقا ولكنه مرهون باشتراطات يتحتم الأخذ بها وعدم التفريط فيها ، إذ يأتي في مقدمتها عدم إلحاق ضرر بالمتبرع ، كما يلزم التأكد من تحقيق النفع للمنقول إليه ، ويحسن أن يكون هذا النقل بين الأقارب (حتى الدرجة الرابعة) ، وأن يكون منحا بلا مقابل ؛ احتسابا لله سبحانه وتعالى .
ومن أمثلة ذلك التبرع بإحدى الكليتين أو بجزء من الكبد بين الأحياء ، ونحن نعتقد بشرعية هذا التبرع في ضوء الالتزام بالضوابط التي أقرها العلماء المشهود لهم بالأمانة والصدق وحسن الالتزام .
وقد أخذ هذا الموضوع حيزا كبيرا من الحوارات المتعددة،ومع ذلك لم تنته مشكلة بيع الأعضاء ، التي نراها حادثة ومتحققة بنسبة كبيرة ، وقد تزيد عن عدد الأعضاء المتبرع بها من قبل الأقارب أو من غيرهم .
وصفوة القول في هذا النوع من التبرع أن غالبية العلماء تقول بالإباحة ، لإنقاذ المرضى الذين يشرفون على الموت ، أما الرافضون وهم الأقل فيرون أن جسم الإنسان ليس محلا للإهداء أو بيعه ، والتنازل عنه (1) .
ثالثا- التبرع بالعضو بعد تمام الموت
لقد كرم الإسلام الإنسان حيا وميتا ، وحرم العبث بجسد الميت ، واقتطاع جزء منه بلا داع، وأن الحفاظ على الأعضاء مطلب شرعي ليس محلا للجدل أو النقاش .
والموت هو التوقف الكامل لجميع أعضاء الجسم عن أداء وظائفها بما في ذلك القلب والمخ وجذعه ، والجهاز التنفسي وهذا هو الموت الشرعي ، الذي لا خلاف عليه عند علماء الدين و القانون .
ويشترط لأخذ العضو من جثمان الميت موافقة أهله ، أو يكون قد أوصى بالأخذ منه في أعقاب الموت.
وقد أفتى بجواز ذلك معظم علماء الشرع من كافة التخصصات وان أية معارضة لهذا الرأي مع قلة أصحابها تستند إلى الحفاظ على كرامة الميت ، وصيانة جثمانه ؛ لأنه ملك لله ولا يحق للمسلم أن يوصى بذلك ، ولا لورثته أن يوافقوا أو لا يوافقوا .
وهذه النظرة التي نراها محدودة قد بدأت تتلاشى ، وتفقد أنصارها انطلاقا من الفهم الحضاري المتجدد لشريعة الإسلام ، وأنه لا فائدة من عضو يدفن في التراب ، مع احتمالية أن يتحقق به الشفاء لمريض يحيى على أمل السلامة والشفاء وان أخذ العضو كاملا أو جزء منه لا علاقة له بإهانة الميت ، أو التمثيل بجثته ، خاصة إذا كان العضو سينقل إلى أحد أقارب الميت .
ومع تمام الموت يمكن الإستفادة بعدد من الأعضاء مثل القرنيات(2) فهي لا تتلف بعد الموت لعدم وجود أوعية دموية بها ، مثل الأعضاء الأخرى ، إذ يمكن اخذ القرنية من الميت بعد ثماني ساعات .
وقد ورد في بعض الحوارات أن نقل العضو من المتوفى لا بد أن يتم في خلال ساعة من الموت الحقيقي ؛ حتى لا تتحلل الأنسجة ماعدا القرنيات كما سبقت الإشارة(3) .
وذكر الأطباء أن العلم لم يتوصل حتى الآن إلى الإفادة بأعضاء من مات موتا حقيقيا إلا في أربعة هي : القرنية ، والجلد ، وبعض العظام الرقيقة ، وصمامات القلب ، وقيل بأكثر من ذلك . وبهذا البيان يتضح أن نقل الأعضاء من لأموات بالاشتراطات السابقة لا يواجه بمعارضة تذكر مادامت الإجراءات والجراحات الطبية بعيدة عن شبهة المتاجرة أو السرقة وسائر أحوال التدليس .
وهذه الآراء المتمخضة عن عشرات الحوارات والندوات المتنوعة يتم بها تفعيل عمليات النقل التي انعكست آثارها الايجابية على الآلاف من المرضي الذين عادوا بنشاطاتهم وآمالهم إلى خدمة المجتمع ، والتجاوب مع شئون الحياة .
والملاحظ أن بعض العلماء قد تحولوا - عن اقتناع - من الرفض إلى القبول بعد الثورة الطبية والتقدم العلمي في وظائف الأعضاء ، وسائر الجراحات لجميع أجزاء الإسم .
رابعا- نقل الأعضاء من موتى جذع المخ :
إن معظم ما دار من حوارات حول نقل الأعضاء في العشرين سنة الأخيرة كان عن تعريف الموت ، وبيان ما يسمى "موت جذع المخ" ومن نفذ فيهم حكم الإعدام شنقا ، أو رميا بالرصاص أو بأية وسيلة أخرى يبقى معها الجسم على حالته التي كان عليها ، وقد ارتفع صوت الحوار بين الأطباء وعلماء الشريعة وأساتذة القانون عن تحديد المراد من موت جذع المخ ، ومن الملاحظ أنه لا يوجد تعريف محدد للموت ، يتفق عليه الأطباء في الدولة الواحدة، أو في الدول المتعددة ، بمعنى اختلاف الرؤية الطبية بين دولة وأخرى وهذا الأمر يبدو خاليا من الشقاق والاختلاف بين جمهرة علماء الشريعة والقانون ، أما الأطباء فاختلافهم لا يهدأ وثورتهم لم تخمد ، ويكاد يكون اختلافهم سببا رئيسا في عدم صدور قانون شامل لنقل الأعضاء حتى الآن في مصر وزراعتها في المرضى الذين ينتظرونها .
والمراد من الموت الإكلينكى هو الذي يموت فيه جذع المخ إلى غير رجعة بينما يبقى القلب والرئتان والكليتان وغير ذلك من الأعضاء الحيوية تعمل بمساعدة أجهزة خاصة تساعد هذه الأعضاء على استمرار الحياة ، وإذا رفعت هذه الأجهزة توقفت الحياة تماما ، ومات الإنسان موتا كاملا (4) .
ونعتقد أن الاكتشافات العلمية يمكن أن تسهم في الإحتفاظ بالكبد سليما مدة ثلاث إلى أربع ساعات ، ومنذ عام 1987م تم اكتشاف مادة خاصة يمكن أن تطيل في عمر الكبد المنقول إلى ثماني عشرة ساعة ، وحتى أربع وعشرين ساعة وهو زمن معقول يسمح بالنقل المتأني ، كما يسمح بنقل العضو إلى أماكن بعيدة (5) .
إن التعريف السابق لا يلقى موافقة تامة من الأطباء ، مما يجعل محاولة نقل العضو ممن مات جذع مخه مسألة مشوبة بالاضطراب والقلق المهني ، والخوف من العبث في أبدان من لا زالت أعضائهم حية باستثناء جذع المخ أي أن هؤلاء الموتى ليسوا في حالة وفاة إنما هم أحياء لا يصح أخذ عضو من أعضائهم ، أو جزء منها(6) ويسفر هذا الإختلاف عن اتجاهين يعبران عن وجهتي نظر مختلفتين خاصة في المجتمع المصري .
فالإتجاه الأول : هو الأعلى صوتا يبيح أخذ عضو أو أكثر من موتى جذع المخ ؛ ليستفيد بها مريض أو أكثر، إذ لا فائدة ولا مبرر لدفن عضو في التراب بينما يحتاج إليه المريض يئن من علته كما في قول الشاعر :
كالعيس في الصحراء يقتلها الظمأ والماء فوق ظهورها محمول
إن النقل من موتى الدماغ يجب التأكد فيه من موت جذع المخ ، وفق إجراءات وضوابط يجب الإلتزام بها ، ويستوي في ذلك من نفذ فيه حكم الإعدام شنقا ، أو من مات في حادث عارض، فإن قلبه قد يستمر في العمل لمدة عشرين دقيقة أو أكثر ولا بد أن يكون الحكم بموت جذع المخ منوطا بلجنة ثلاثية أو خماسية مؤهلة للفصل في هذا الأمر، وما يترتب عليه من آثار(7) .
ويؤكد أصحاب هذا الإتجاه أن ضربات القلب مع توقف المخ ليس لها أهمية عملية ، لاعتبارات كثيرة يعرفها الأطباء والمتخصصون وإنما هي فترة غير محددة تموت بعدها بقية الأعضاء ، ويتحقق معها الموت الكامل للإنسان .
وفى حوار مع الدكتور خيري السمرة (8) أفاد بأن مقياس الوفاة الحقيقية للإنسان هو موت جذع المخ ، ويسند تقرير ذلك إلى لجنة من ثلاثة أطباء في جراحة المخ والتخدير والباطنة وأن هذا الموت تجرى على صاحبه بعض أحكام الوفاة ، ومن ثم يجوز أخذ العضو منه ؛ لزرعه في مريض يأمل في الحياة .
ومن الأطباء الذين شاركوا في هذه القضية الدكتور وحيد السعيد والدكتور حمدي السيد وغيرهم ممن يشكلون رأيا مسايرا لكثير من الدول ، والتي ترى في موت جذع المخ وفاة للإنسان ، وبالتالي يصح أخذ العضو منه ، وزرعه في مريض آخر، ويجب التأكد من موت جذع المخ ، وأن الفرق الزمني بين موته وبين موت جميع الأعضاء غير محدد ، ففي الشنق مثلا يموت جذع الدماغ قبل موت المخ ، وفى بعض الحالات النادرة يتوقف القلب والتنفس الفجائي قبل موت جذع الدماغ ،وأن الفرق الزمني بين موت جذع الدماغ وبين موت كل الدماغ لا يعدو دقائق ، وأن الفارق الزمني بين موت جذع الدماغ، والنخاع الشوكي قد يصل إلى ساعة أو جزء من الساعة ، وأن القلب قد يستمر في العمل بعد الشنق بعشرين دقيقة ، وذلك بدون أجهزه إنعاش وأن بعض خلايا الدماغ قد تستطيع الحياة لبضع دقائق بعد موت جذع الدماغ ، وأن القلب قد يستمر نابضا بالحياة إلي ثمانية وستين يوم بعد موت الدماغ (9)
وأن بعض الأطباء الداعين إلي نقل العضو ممن مات جذع مخه ليسوا علي وفاق تام فيما يتصل بالحكم علي الإنسان بالموت .
وعلي جانب آخر يري علماء الشريعة والقانون أن من مات جذع مخه هو إنسان علي قيد الحياة ، ولا يصح بأي حال من الأحوال أخذ عضو من أعضائه وأن الحكم علي جذع المخ بالموت ليس دليلا علي نهاية عمر المريض ، ويتحتم رفض ما يسمي الموت الإكلينكي، فانتزاع الأعضاء من موتي جذع المخ جريمة لا تغتفر(10) ، كما أن موت الشخص بموت جذع مخه لا ينطبق علي الأطفال من سن سنتين إلي أربع عشرة سنة ؛ لإمكان استعادة وظائف المخ عند هؤلاء ، وأقر الدكتور صفوت لطفي بتمام الولادة لسيدة حكم عليها بموت جذع المخ ،وقرر أيضا أن مريضا في "إلينوى" بأمريكا أعلن عن موت جذع مخه ، وذلك في عام 1984م ، ثم أصدر "كحة" بعد تسع ساعات ، وغيره كثير .
وفي حوار آخر مع الدكتور شريف عزت (11) أعلن عن رفضه التام لنقل الأعضاء من موتى جذع المخ، وأن من وصل إلي هذه الحالة يمكن أن يصدر حركات كتلك التي عرفت بعلامات "لازاروس" وأن الموت كما سبق القول لا يتحقق إلا بموت جميع الأعضاء .
وأفاد تحقيق صحفي (12) أن انتزاع الأعضاء من مرضي الغيبوبة الدماغية جريمة مكتملة الأركان، وأكد التحقيق رفض العديد من الأطباء لما يسمي بالموت الإكلينكي .
وفي ذات تحقيق أفاد بوجود أربعة عشرة حالة عادت إليها الحياة بعد موتها إكلينكيا ، وأكدت مجموعة من الأطباء حقيقة دراسة أجنبية لعودة الحياة لمرضي جذع المخ وأفادت بحدوث ذلك فى25% من موتي جذع المخ ، وفى حوار مع دكتور رؤوف سلام (13) ، ذكر أنه مع موت جذع المخ يستمر جزء منه في العمل مثل الغدة النخامية وأن الموت هو زوال الحياة، ولا يصح اجتماع الموت والحياة في جسد واحد .
ومما سبق يتضح صعوبة الحكم على موت جذع المخ ، ويتأكد اختلاف الآراء بين الأطباء في هذا الموضوع .
خامسا- قوانين وقرارات وتوصيات :
إن قضية زراعة الأعضاء في ضوء ما تقدم ما زال الحوار فيها طويلا متشعبا بين الأطباء الذين اختلفوا في تعريف الموت ، مما يحتم صدور قانون يشمل جميع الحالات المتصلة بهذه القضية ، خاصة في البلدان التي لم يصدر بها قانون عام وشامل لهذا الأمر، وبحيث يكون عادلا وبعيدا عن أية شبهة تكسب أو ظلم لأي فرد أو جماعة من الناس ، (مرضى أو أصحاء -- فقراء أو أغنياء) دون تمييز لنوع أو جنس من أجناس البشر في كافة البلاد الإسلامية ، وقد لاحظت أن عددا لا يستهان به من المرضى قد سافروا لإجراء جراحات بالخارج ، وصدرت في بلدانهم قوانين وقرارات ، لكنها لم تحسم المشكلة تماما ، وأكثر ما يزداد الاختلاف فيه ولا تشمله معظم القوانين والقرارات موتى جذع المخ ، وقد عرض مثلا مجمع البحوث الإسلامية بمصر لموضوع زراعة الأعضاء و ورد في كتاب "بيان للناس من الأزهر الشريف"،واشتمله قانون العقوبات ، وعرضت له دار الإفتاء ، ووافق أساتذة كبار على نقل الأعضاء باشتراطات محددة ، وليس منها بالقطع الفصل في أخذ الأعضاء من مرضى أو موتى جذع المخ (14).
ولا زالت حوارات الأطباء التي لم تنقطع مستمرة في مناقشة هذا الأمر مع اختلافهم في الوطن أو الهوية بدرجات متباينة ، ومع كل ذلك لم تحل المشكلة تماما ، مما يحتم ضرورة السعي إلى صدور قرارات شاملة تستفيد بها كل دولة من تجارب الآخرين ، وبحيث يتم الفصل في موتى جذع المخ الذين ينظر إليهم عند فريق من الأطباء على أنهم أموات وأعضائهم حية ،ولكن لم يجرؤ أحد على استخراج شهادة رسمية لهم بالوفاة التامة .
وقد صدر في الشهور الأخيرة كتاب مهم في هذا الموضوع للدكتور "أحمد شاهين" (15) تناول فيه كافة الآراء في الطب والدين والقانون عن نقل الأعضاء الآدمية وزراعتها في جسم آخر، وقدم في هذا الموضوع اقتراحا بمشروع قانون عن زراعة الأعضاء (16) .
سادسا ـ تجربة ذاتية :
لقد عشت مدة زمنية من حياتي كان التفكير فيها متجها نحو إجراء زرع كبد لي بعد عمل العديد من البحوث الطبية التي أفادت بظهور بوادر فشل في هذا العضو ، مما جعل كثيرا من الأساتذة والأطباء الذين يعرفون حالتي ينصحونني بضرورة إجراء هذه الجراحة (الخطيرة)خارج الوطن، وتم إرسال الأوراق إلى المركز الطبي الأول لزراعة الأعضاء في بلدة تيانجين (Tinjin) بالصين ، وأجريت العملية بنجاح في يوم الجمعة الثامن والعشرين من يوليو (تموز)عام2006 م وكانت الأسرة وسائر الأهل والزملاء ، والأطباء يدعون لي بنجاح العملية ، والعودة سالما إذ كانوا يتابعون الحالة أولا بأول ، وبعد تمام الجراحة جاء لزيارتي أحد الأطباء (المرضى) وكانت قد أجريت له الجراحة قبلي بأيام ، ودار بيننا حوار طويل شارك فيه عدد آخر من المرضى (الأطباء والعلماء) وقيل في هذا اللقاء:
لماذا لا يتم إجراء مثل هذه العملية في مصر ، والتي تقتصر الجراحة فيها على زرع جزء (فص) من الكبد ؟
قلت : أسباب كثيرة .
وكان معروفا لدينا أن الأعضاء المزروعة في الصين مثل الكبد والكلية وغيرها تنزع من الذين تم تنفيذ الإعدام فيهم وأن بعض الدول الغربية ، تحارب ذلك تحت شعار حقوق الإنسان .....ولم يقتنع المتحاورون بذلك .
وقلت : إن الذين استؤصلت منهم الأعضاء الصالحة بعد تنفيذ الإعدام عليها ، قد تم بناء على ما ارتكبوه من الجرائم التي استحقوا عقوبة الإعدام عليها ومنها بالقطع جريمة القتل ، إذ أنهم قد أزهقوا أرواح بعض البشر على سبيل المثال ،ـ فإذا جاءت الحكومة المعنية ، ووضعت من القوانين واللوائح ما يتيح لها أن تستأصل العضو الصالح ؛ حتى يزرع في جسد يلائمه ، وتعويض أسرة من أخذ العضو منه تعويضا مناسبا فلا حرج عليها ، وبذلك صار القاتل سببا في استمرار الحياة لبعض المرضى ، بعد أن كان قد قتل نفسا ، أو ارتكب جرما آخر ، واستحق عليه عقوبة الإعدام.
وقلت بصوت عال : لقد صدق الله العظيم حيث قال:
"وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" (17)
وتواصل الحوار في العديد من المنتديات العلمية والثقافية والدينية بعد عودتي إلي مصر ، واستفدت بتجربتي في هذه الجراحة ، ورجعت إلي ملف ضخم ملئ بالأوراق، والبحوث الموجزة ، والمؤلفات الواسعة ، التي رأيت فيها ما يشجعني علي إعداد هذا البحث الذي خلصت فيه إلي مجموعه من النتائج ، جمعت فيها بين آراء الأطباء وعلماء الدين ، وأساتذة لقانون ، فضلا عن تجربتي الذاتية ، تلك التي أوردتها في غاية الإيجاز، وفق متطلبات هذا الموضوع .
سابعا ـ أهم النتائج :
فيما يتصل بالنواحي الطبية في هذا الموضوع فإننا أعتمدنا علي كلام الأطباء ، الذين لهم تاريخ وواقع مشرف في مجال التخصص ، ولديهم القدرة علي التعبير في طرح أرائهم العلمية والنظرية ،وإننا نقحم أنفسنا في أمور تخصصية بحتة ، لسنا مؤهلين لمعرفة تفصيلاتها، ويقتصر دورنا علي نقل خلاصة آرائهم وحواراتهم بعدل وإنصاف ، أما غير ذلك فسهل التناول يمكن عرضه ، وإجراء الحوار حوله في ضوء القرآن الكريم والسنة النبوية ، ومواد القانون الوضعي.
جواز تبرع الإنسان بعضو من أعضائه أو بجزء من العضو ، أثناء الحياة مثل الكلية ، أو الفص الكبدي إذا تحقق به النفع للمريض ، خاصة إذا كان من الأقارب ، ولم يترتب عليه ضرر للمتبرع .
منع نزع العضو من إنسان لازال قلبه ينبض ، ونفسه يتحرك ، ولا يكتفي بما يسمي موت جذع المخ ، فكبار الأطباء بالعالم الإسلامي في حالة عدم وفاق حول هذا الموضوع حتى الآن .
يمكن تقنيين نزع الأعضاء بعد تنفيذ عقوبة الإعدام ، حتى لو كان الجسم في نطاق موت المخ وجذعه ، لأنه بالعقوبة التي وجبت عليه صار دمه مهدرا ، أو في حكمه(18)، ويلزم التعويض المناسب للورثة ، ولا يمكن التصرف علي أنه تمثيل بالجثة ؛ لأن الهدف هو إنقاذ المريض وتخفيف آلامه .
رفض بيع الأعضاء وتحريم الاتجار فيها ، مع أن بيع الكلية أو فص من الكبد يتم بصوره علنية في كثير من الحالات ، وهي معروفه للمرضي والأطباء ، وأن كثيراً من الراغبين في بيع أعضائهم يعرضون أنفسهم علانية ببيع عضو من أعضائهم ، أما الأوراق فيتم إعدادها بصوره مطابقة للمواصفات ؛ حتى تتوافق مع الدين والطب واللوائح المحددة.
وأقر بكل صدق أن الكثيرين يعرفون حرمة التصرف في أعضاء الجسم ، بيعا وشراء، ولكن المشكلة عند المريض المحاصر بالموت ، وأمامه عضو صالح له معروض للبيع بحرية تامة من صاحبه ، ويجد المريض نفسه في هذه الضرورة ما يشجعه علي شراء العضو، حتى ينتقل من مشارف الموت إلي شاطئ الحياة ، نظير مبلغ مالي يزيد وينقص حسب العرض والطلب ، و في ذلك إنقاذ لحياته ، وتعويض لصاحب العضو ، ولا يري المريض في هذا التصرف شيئا من المتاجرة ، بل ربما يعده تطوعا ، وهدية يستحق المكافأة عليها .
ينبغي التحذير من الجرائم البشعة التي ترتكب في عمليات زراعة الأعضاء ، والمتمثلة في استغفال الشخص وسرقة بعض أعضائه ، وهو حي مخدر ، أو بعد موته دون أن يدري ؛ بهدف تحقيق المكاسب المادية للقائمين علي هذه العملية .
نستشرف مستقبلا مليئا بالآمال والطموحات من خلال التقدم العلمي ، الذي يمكن أن يتجاوز قضية موت جذع المخ إلي تطور يتمكن معه الأطباء من نقل العضو من الجسم بعد الوفاة التامة ، مع البحث عن علاجات جديدة لما يسمى الموت الإكلينكى يعاد بها المخ إلى العمل بكفاءة تستمر معها الحياة ، وكذلك إجراء المزيد من الأبحاث للاستفادة ؛ من أعضاء الحيوانات ، وتطوير زراعة الخلايا الجذعية ، التي يمكن أن تتحقق بها المعجزات ، إذ أنها غير مؤهلة للرفض من الجسم .
إن هذا الموضوع في حاجة إلي بحوث مستفيضة ، تراعي فيها كافة المتطلبات بعد إجراء العديد من الحوارات الإيجابية الهادفة المرتكزة علي الأسس والضوابط التي يقرها أهل الحل والعقد من علماء الدين والطب والقانون والله ولي التوفيق .
أهم المصادر والمراجع
- الالتهاب الكبدي الفيروسي "سي".د/ محمد فريد عبد الوهاب -- كتاب اليوم الطبي العدد 191 في فبراير 1998م .
- أدلة تحريم نقل الأعضاء الآدمية . د/ محمد نور الدين مربوبنجر المكي1995م .
- زراعة الأعضاء بين الطب والقانون والدين. د/ أحمد شاهين -- السلسلة الطبية العدد (276) سبتمبر 2007م .
- سلامة كبدك. د/عبد الرحمن الزيادي -- كتاب اليوم الطبي -- العدد (140) .
- متاعب الكبد. د/عبد الرحمن نور الدين _ دار الهلال 1998م .
- نقل الأعضاء وزراعتها د/السيد الجميلي --1419هـ - 1998م .
ثالثا : "الدوريات" :
جريدة الأهرام :عام1992م في 28/7 -- 28/8 -- 30/8 -- 4/9 -- 10/9 -- 22/9 -- 6/10 -- 3/11 -- 17/11 .
- عام 1994م في 19/12 .
- عام 1995م في 4/8 -- 11/8 -- 13/10 -- 17/11 -- 16/12 -- 30/12 .
- عام 1996م في 5/10 -- 7/10 -- 30/11 .
- عام 1997م في 3/2 - 24/2 - 29 /3 -- 22/ 4 -- 7/5 -- 23/5 -- 30/5 -- 24/7 .
- عام 2000م في 25/2 .
- عام2002م في 30/5 .
- عام2007م في 20/4 -- 21/4 -- 22/4 -- 29/4 -- 4/5 - 25/5 -- 26/5 -- 3/6 -- 21/6 -- 19/7 -- 2/11 -15/11 .
- عام 2008م في16/2- 13/6 -- 4/7 .
جريدة الجمهورية :عام 2007 في 14/6 .
جريدة الأخبار :عام 2008م في 9/5 .
صوت الأزهر :عام 2007م في 13/7 .
- عام 2008م في 6/6
5- مجلة الأزهر :عام 2008م عدد جمادى الأولي 1418هـ
وهذا أقل ما يمكن رصده من مصادر هذا الموضوع ومراجعه.
الأحد 6 من صفر 1430هـ غرة فبراير 2009م
عنوان المراسلة
د/ السيد محمد أحمد الديب
الأستاذ بجامعة الأزهر
كليه اللغة العربية جامعة الأزهر
الزقازيق -- جمهورية مصر العربية
- تحدثت عن هذا الموضوع فى كلية الشريعة -- جامعة جرش الأهلية بالأردن ضمن بحث موسّع عن ضوابط الحوار الإسلامي ـ زراعة الأعضاء البشرية نموذجا ، وذلك فى شهر ذي القعدة 1429هـ،نوفمبر (تشرين الثاني) 2008م
(1) انظر كتاب أدلة تحريم نقل الأعضاء الآدمية -- محمد نور الدين مربوبنجر 1995 من صـ 34-- 74 ومن صـ75-- 133) .
(2) تحقيق محمد هندي في حوار مع عدد من الأطباء ، والمنشور بجريدة الأهرام في 21/4/2007م .
(3) تحقيق حواري بجريدة الأهرام في 21/4/2007م .
(4) متاعب الكبد د/ عبد الرحمن نور الدين صـ136 .\
(5) السابق -- صـ 139.
(6) انظر جريدة الأهرام في 16/2/2008 م .
(7) حوار مع الدكتور / مدحت خفاجي -- أهرام 4/9/1992م .
(8) العميد السابق لكلية الطب جامعة القاهرة ، وقد جاء رأيه عن تعريف الموت البشري في ندوة شارك فيها كثير من الأطباء المشهورين ، ونشرتها جريدة الأهرام في 29/3/1992م ، وشارك في الندوة المذكورة عدد من الأطباء من بعض الدول العربية والأجنبية.
(9) انظر كتاب زراعة الأعضاء..... د/ أحمد شاهين صـ 52 .
(10) حوار مع الدكتور / صفوت حسن لطفي أستاذ التخدير بطب القاهرة -- الأهرام في 22/4/1997 .
(11) أستاذ جراحة المخ والأعصاب ، وعميد كلية الطب جامعة الأزهر- سابقا -- والحوار منشور في جريدة الأهرام في 4/5/2007م .
(12) الأهرام في 22/4/1997م .
(13) الأهرام في ذات العدد السابق .
(14) انظر كتاب "زراعة الأعضاء......." دكتور / أحمد شاهين -- صـ94 ، صـ95 .
(15) أستاذ التحاليل الطبية بكلية الطب جامعة الزقازيق .\
(16) كتاب زراعة الأعضاء بين الطب والقانون والدين دكتور / أحمد شاهين صـ 105.
(17) البقرة (179) .
(18) حسب رأي علماء السعودية -- انظر جريدة الجمهورية بمصر في 14/6/2007م .\