حرية الرأي وضوابطها

1 دقيقة قراءة
بواسطة Ahmed Eldeeb
حرية الرأي وضوابطها
Photo by Markus Winkler / Unsplash


إبداء الرأي منهجٌ إسلاميٌ، وسلوكٌ حضاريٌّ ينبغي الحرصُ عليه، وعدمُ الغفلة عنه، ويجب أن يكون تطبيقهُ مستنداً إلى الضوابط الثابتة المتفق عليها، فإذا أبدى الإنسان رأيه بصدقٍ وإخلاصٍ فإنه يكون قد أسهم في تحقيق الشهادة العادلة، مع عدم التراجع عنها والانهزام أمامها، ولابَّد أن تكون هذه الحرية منضبطة في سائر المجالات، خاصة في الأحوال التي يكلف الإنسان فيها بالشهادة الصادقة، وقد عرض المسلمون في كثير من المواقف آراءهم بكل حرية وإخلاص، وأبدى الحَبابُ بن المنذر رأيه في المكان الذي يجب أن يتمركز فيه جيش المسلمين في غزوة بدر، وقال للنبي صلى الله عليه وسلم: "يارسول الله أرأيت هذا المنزل أمنزلا أنزلكه الله، ليس لنا أن نتقدم ولا نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟

قال النبي صلى الله عليه وسلم: "بل هو الرأي والجهاد"([1])، وأخذ الرسولُ برأي الحباب في الموقع الذي ينزل الجيش به.

وكانت الكلمة الخالدة التي أطلقها عمر بن الخطاب رضي الله عنه – في موقف ذكرته كتب السيرة - بشأن اعتداء ابن لعمرو بن العاص على واحدٍ من المصريين فقال الفاروق "متى استعبدتم الناس، وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً".

أما قضية ملكة سبأ مع نبي الله سليمان، وحرصها على استشارة أولي الأمر من قومها، والسماح لهم بإبداء الرأي، حتى لو كان مخالفا لما أعلنته، إلى أن حصلت على التفويض، الذي مكنها من التعامل مع الموقف بكل عزيمة وقوة وإصرار قال تعالى:
(وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ).[2]

فحديث القرآن عن ذلك في سورة النمل واضح جلي، أما ما دار بين أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما حول معيار توزيع العطايا بحقِّ المهاجرين والأنصار وقتال مانعي الزكاة فذائع مشهور، ذلك أن الله سبحانه وتعالى أعطى سلطته في الدنيا لبعض الناس، ولكن ليس من مهامهم أن يعاقبوا من اختلف معهم في الرأي؛ لأنهم بهذا العقاب قد تقمصوا أدواراً ليست من حقهم كبشر، وهم بذلك يفسدون في الأرض ويقّطعون حبال التواصل بين الناس.

ويجب أن يخضع إبداء الرأي لكثير من الضوابط، الحاكمة لميزان العلاقة بين صاحب الرأي والمعترض بالرأي عليه، وذلك لبيان معالم حقوق المسلم في أقواله وأفعاله، كما لا ينبغي أن يكون كيان صاحب الرأي ومركزُه عائقاً عن تفعيل هذه الضوابط، والتي من أهمها ما يأتي:

-     يلزَمُ تجنبُ إثارة الفتن والعداوات والشحناء خاصة بين المختلفين في الرأي، مع وجوب التقبل لشرح الرأي الآخر، مهما كانت درجته من الصحهَ أو عدمها.

-     يجب عرض الرأي مع مراعاة حسن الأدب والأسلوب الجيد، والحكمة العاقلة، وعدم تجاوز الإنسان حدود المتاح له.

-     مناقشة آراء الآخرين مع استيعاب أفكارهم وحسن فهمها، وحتمية الرد عليها بحدود وأدب وإقناع.

-     مراعاة آداب الحرية وحدودها، خاصة في جوانب الإبداع على اختلاف صوره.

-     ضرورة حسن التعامل مع المتغيرات المستقبلية، ومواصلة تجديد الفكر في شتى المجالات، وعدم التجاوز والطغيان على حريات الآخرين.

-     الالتزام بنصوص القرآن الكريم والسنة النبوية وسائر النصوص الدينية الصحيحة.

إن حرية الرأي حق ثابت ومقرر للإنسان في نطاقات محددة يحظر تجاوزها إلى ممارسات ممنوعة تثير النزاع ويبزر الشقاق في ربوع أمة ينبغي أن تكون واحدة متحددة.

ويجب أن يكون التعبير عن الرأي بكل الوسائل المتاحة والمشروعة ومتزماً بالضواط التي يحتكم أهل الفكر والرأي إليها، ويسيرون على هداها وأنوارها الكاشفة لمعالم السبيل، والصراط المستقيم.

دكتور/ السيد محمد الديب
Sayed.addeeb@hotmail.com


([1])  قصص القرآن، محمد أحمد جاد المولى، وآخرون ص336.
([2]) النمل (33).