تحميل كتاب من قضايا التجديد في الدين والحياة
الحمد لله تبارك وتعالى، وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء والمرسلين، والمبعوث رحمة للعالمين وبعد,,
فإني –بعون الله تعالى- أقدم في هذا الكتاب ستة عشر موضوعاً، تُمثِّل بعض القضايا والأطروحات الفكرية في غاية الأهمية للمسلم المعاصر، ولعل إبداء الرأي فيها، والوصول معها إلى نتائج وتوصيات تُسهم في إنارة السبيل للراغبين في الارتقاء بعقائدهم وسلوكياتهم إلى درجات عليا من السموّ والكمال.
وتتأكد أهمية هذه القضايا بسبب أن أكثرها قد تمَّ عرضُه في مؤتمرات علمية، أو نُشر في مجلتي الأزهر ومنبر الإسلام، مما يدعم المنهج الذي أحرص على تأكيده، من خلال هذا الكتاب أو التي سبقته في بيان الترابط الحاصل بين الإسلام وسائر مناحي الحياة، مع أن كل قضية أو موضوع منها صالح لأن يُعرض بتوسعة في مؤلَّف أو أكثر، ولذا لم تضعف عزيمتي في التحول بها من التباعد في زمن الكتابة، واختلاف الدوافع الباعثة عليها إلى التقريب بينها وضمَّها في وحدة متلازمة بكتاب مطبوع، كما أن الدعوة إلى التجديد في القضايا والأحوال ليست وليدة اليوم أو العصر الذي نحياه، بل هي أصيلة ومتجذرة في مكونات المنهج الإسلامي للحياة.. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها"([1]) وفي بعض الروايات "من يجدد لها أمر دينها".
ولقد تعرض الإسلام في الخمسين سنة الأخيرة لحملات ضارية من التشويه والإساءة، بسبب وَسْمه بالإرهاب مع أنه وصمة عالمية، ولا شك في أن تلك الزيوف والأباطيل يتحمل العرب والمسلمون بعضا من بواعثها، وكثيراً من نواتجها، بما يدور بينهم من خلافات أو صراعات يعجزون أحياناً في الوصول معها إلى توافقات عادلة ومنصفة.
وأردت بالموضوع الأول وهو "الطريق إلى وحدة الأمة الإسلامية" تأكيد هذه الوحدة، أو على الأقل تحقيق بعض المستهدف منها، وذلك بالوصول إلى العبادة الحقة، ومن ثَمّ التقوى وعمق الإيمان، قال تعالى: [وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ]([2])، وقال: [وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ]([3]).
وجاء الحديث عن مولد الدولة الجديدة بعد الهجرة النبوية في ثلاث حلقات متعانقة، تدليلاً على عظمة الإسلام في تأسيس الحكم الجديد، وبيان آليات العقد الاجتماعي، وتحديد القواعد المستند إليها، وذلك من خلال العرض التفصيلي لمواد الدستور المحمدي، ببنوده المسجلة في معاهدة المدينة، ولا يعني ذلك التنويه إلى نقل التجربة التأسيسية بكل مكوناتها إلى الحياة المعاصرة، التي تغشاها "الديمقراطية" المفعلة بإيجابيات سديدة بالكثير من دول العالم، وذلك في مواجهة الشورى التي بدأت بها مسيرة الحياة الإسلامية، في ظلال التجربة الوليدة بعد الهجرة، والتي بها كثير من المعطيات الفكرية المشبعة بالإيمان، وصحيح العقيدة وعمق الشفافية بما يجعلها مؤهلة للاقتباس منها والاستفادة بها في عموم الزمان والمكان.
ويقدم موضوع "تجديد الخطاب الديني" مع أربعة موضوعات أخرى رُؤَى وآفاقاً من خلال النقاش في عدة مؤتمرات بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، وذلك بغرض السعي إلى حتمية التواصل مع الآخرين بالحوار الهادف، الذي يتماهى مع الدعوة العالمية لحوار الحضارات، بديلاً عما كان في السابق من صراع الحضارات، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قد دعا إلى التجديد من خلال إيراد المصطلح ذاته، أو من خلال تفعيله في سياقات الواقع الاجتماعي بالعلماء القادرين على تجاوز أزمات الاختلاف إلى مرافئ الوفاق، فقال عليه الصلاة والسلام: "يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين"([4]).
وقدمت عرضاً متأنياً وكاشفاً لحتمية احتياج الإنسانية إلى الأنبياء من خلال كليات رسائل النور لبديع الزمان سعيد النورسي.
وكان الحديث عن معالم الحرية وضوابطها في الإسلام تعبيراً عن حق الإنسان في التمتع بنسائم الحرية من خلال الضوابط الحاكمة والمنظمة لأطر العلاقة بين البشر عموماً، واتسع البحثُ في ذلك بمقال موجز ودراسة متسعة.
ويلي ذلك موضوعان يعبران عن بعض الجوانب لمنظومة العلاقة بين الشرق والغرب، وأولهما عن العلمانية، وهو في غاية الأهمية، إذ أنه وثيق الصلة بموضوع متقارب معه وهو "العولمة" هذا الذي ينطلق من إذابة الهوية الخاصة بكل أمة، بما لديها من عادات وعبادات، وصولاً إلى أهداف كبرى ليست محل وفاق بين المنظمات والتكتلات العالمية، فضلاً عن دوله وشعوبه.
أما ثانيهما فعن "كتابات المستشرقين عن العادات والتقاليد المصرية في شهر رمضان" وجاء ذلك تدليلاً على رغبة كثير من المستشرقين في التعرف على أحوال الشرق الإسلامي، وقد يكون بعضهم على صواب فيما يرونه ويكتبون عنه، بينما يتشبع آخرون بالكراهية، التي تتجلى في بعض كتاباتهم بما يؤكد أنهم ليسوا سواء.
وعرضت –في إيجاز- لموضوع "السياحة في الإسلام"؛ للرد على بعض الأغاليط والآراء الشاردة في ذلك.
وتنتهي القضايا أو الموضوعات المعروضة بما كتبناه عن مخاطر المجاهرة بالمعاصي، اقتضاء لتراجع خلق الحياء بالمجتمع الإسلامي، وغالباً ما يكون ذلك تقليداً رديئاً لغزو سلوكي فاسد، آت من المجتمعات الغربية، التي تتسع في مفهومها للحرية، ولا سلطان لديها إلا للعلم التجريبي وما به من مستجدات لخدمة الحياة.
ولا أعتقد أن البحث التنظيري يمكن أن يتوقف عند ذلك، فالدين عميق، والتوغل فيه ينبغي أن يكون برفق وتفهم، وبلا اندفاع أو انفعال، وعلى الله قصد السبيل، وهو تعالى نعم المولى ونعم النصير.
الــدكتـور السيـــد محمـــد الديـــب
الأستاذ بجامعة الأزهر الشريف
السبت 10 جمادي الأولى 1439هـ / 27 يناير 2018م
([1]) رواه أبو داود في سننه ، وهو حديث اتفق الحفاظ على صحته، وأخرجه الطبراني في الأوسط من رواية أبي هريرة رضي الله عنه.
([2]) المؤمنون 52.
([3]) الأنعام 153.
([4]) سنن البيهقي الكبرى.