السعي على مطالب الدنيا جهاد محمود، وتحصيلُ المال من حلال عمل مشروع، يحقق به كل راغب في الحياة آماله وطموحاته، كما أن العمل الشريف تأكيدٌ لوجود الإنسان، الذي من حقه أن يعمل ومن حقه على المجتمع أن يوفر له العمل النافع، الذي تعود فائدته إلى الفرد والجماعة؛ ولابد أن يتجنب القادرُ على العمل الكسل والتسول وادعاء العجز، واللجوء إلى حيل غير شريفة يحقق بها بعض متطلبات حياته، وحاجة الجسم للسعي والحركة والأمن من غوائل الدهر وقساوة الزمن.

ويقتضي التعدد في المواهب والقدرات أن يتجه كل إنسان إلى عمل دون آخر، وكلٌ ميسر لما خلق له، فالبعض يعمل بالزراعة وهي أصل الأعمال الدنيوية، التي يعود ناتجها على الإنسان وسائر الكائنات، وقد نبه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى هذه المعاني فقال صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلم يزرع زرعا أو يغرس غرسا، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له صدقة"([1]). كما أن طبيعة البيئة ومعيار الحاجة يوجب الاتجاه إلى أعمال دون أخرى، فما يقام من نشاطات في الأراضي الزراعية يختلف عما ينهض الناس به في المناطق المؤهلة للصناعة، والتي ذكرها القرآن الكريم بحق الأنبياء، مثل نبي الله داوود، الذي اتجه إلى صناعة الدروع، التي يحتاج الناس إليها في حقب معينة

قال تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ {10} أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)([2])، وقوله تعالى: (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ ).

ذكر المفسرون أنه كان لا يحتاج أن يدخله نارا ولا يضربه بمطرقة، بل كان يفتله بيده مثل الخيوط، ولهذا قال تعالى (أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ) وهي: الدروع – قال قتادة: هو أول من عملها من الخلق، وإنما كانت قبل ذلك صفائح"([3])، ويعني قوله تعالى (وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ) بيان لتعليم داوود عليه السلام صناعة الدروع، وفي هذه الصناعة تفصيلات كثيرة بكتب التفاسير.

وكان المجتمع المكي ذا نشاط بارز في التجارة بحكم الطبيعة والموقع، فعلى هذه المهنة ارتبطت حياتهم، وكانوا يقومون بها داخليا أو يتحركون من خلالها صيفا وشتاء، كما ذكر القرآن الكريم، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم مدركا لأسرار هذه المهنة، وعارفا بأصولها فقد قال عليه الصلاة والسلام: "التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء".([4])

ويتحتم على العامل أيا كان نشاطه أن يهتم بعمله، وأن يتقنه وألا يغش فيه، وأن يكون معتدلا في أجره، الذي يطلبه قال عليه الصلا والسلام "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا يتقنه"([5])، وإذا أتم الإنسان عمله بإخلاص وأمانة، وأتقنه بلا خداع وغش فله الأجر العادلُ بدون مماطلة وتأخير.

إن القيام بالعمل دعوة إسلامية مشروعة، وهو حق للإنسان القادر عليه، وأن مقاومة البطالة مسئولية يتحمل تبعتها الكثيرون، وأن هموم الشباب القادر على السعي والحركة تحتاج إلى حسن التوجيه والاهتمام، فالبطالة مفسدة للمرء، واستنزاف في غير موضعه لطاقته، التي منحه الله إياها، وإذا عمل المؤمن بأمانة وإخلاص، وكثرت لديه الأموال فعليه تبعاتها لله تعالى ولسائر أهله، ولكل المحتاجين في مرمى بصره، كالزكاة والصدقة، وغيرها التي يتحقق بها التكافل الاجتماعي المشروع.

دكتور/ السيد محمد الديب
Sayed.addeeb@hotmail.com

([1]) البخاري مسلم.
([2]) سبأ (10، 11).
([3]) تفسير ابن كثير جـ6، ص485 " دار الشعب".
([4]) الترمذي.
([5]) رواه أبو يعلى والعسكري عن عائشة رضي الله عنها.