الغش في الصداقة والنصح:

ترتكز الأخلاق الإسلامية على الوضوح وعدم الغش، وعندما يستشير الإنسان شخصاً وثق فيه، وائتمنه على أسراره، فيجب الإخلاص في القول، والأمانة في النصح، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "المستشار مؤتمن".([1])

ولا يصح أن يتصادق اثنان، ويُظهر أحدهما أو كلاهما خلاف ما يعلنه فعن أنس رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يابني.. إن قدرت أن تُصبح وتمسي ليس في قلبك غش لأحد فافعل".

"يابني... وذلك من سنتي، ومن أحيا سنتي فقد أحبني، ومن أحبني كان معي في الجنة".([2])

ولابد أن تبنى الصداقة الحقه على الصدق، وإذا تلوث هذا الخلق بكذب وخداع وغش وتدليس فليس صدقاً، وصور ذلك كثيرة، أشار إلى بعضها عمر بن الخطاب رضي الله عنه بقوله: "من تخلق للناس ما ليس خلقا له شانه الله"([3])، وقوله: "من أظهر للناس خشوعا فوق ما في قلبه، فإنما أظهر نفاقا على نفاق"([4])، فما أخطر أن يتعامل الإنسان مع صديق له، ويضمر له الحقد والضغينة، ويزين له الشر على أنه خير، والكذب على أنه صدق، مع أن هذا ليس من أخلاق الإسلام.

الغش في الامتحانات، والسطو على المؤلفات:

لقد نهى الإسلام عن الغش والخداع بكافة الصور والأحوال، ومما ينبغي التحذير منه والتنبيه إلى مخاطره، الغش في الاختبارات، التي يقاس بها مستوى الطلاب والباحثين؛ حتى يوضعوا في الطريق الذي يستكملون فيه تعليمهم، أو يصنفوا للوظائف التي يسعَون إليها، وإذا وافق ورضى إنسان مكلف بالمراقبة على إتمام الغش فهو شريك في الإثم والخيانة، لإهدار عمل المجدين وتثبيط لعزائمهم، وإهدارٍ لمبدأ المساواة، وإعلان عن إباحة الكسل والتراخي في جميع الحالات التي يتسرب الغش إليها، ومن المؤسف أن الغش في الامتحانات يتحول – أحيانا – إلى غش جماعي بهدف الحصول على درجات مرتفعة بدون جهود مبذولة، وكيف لهؤلاء أن يجتمعوا على ضلالة، ويكشف ذلك في حال حدوثه، عن قصور في الضوابط الرادعة، وتراخٍ في حماية اللجان المنعقدة لإتمام الاختبار بمساعدة مأجورين للإفك، ودعم رخيص من بعض أولياء الأمور؛ حتى يحصل الطالب على درجات لا يستحقها، ويشغل مكانا في العلم أو العمل ليس مجهزا له بصورة سليمة، أما تسريب الأسئلة إلى الطلاب قبل بدء الامتحان فهو طغيان جارف وإثم مضاعف، كما أن الاختراق للضوابط بالغش والتدليس إعلان عن غياب القدوة الحسنة، وموت الضمائر، واستحلال المنكر الحرام، خاصة في ظل الاعتماد على وسائل وتقنيات مستحدثة؛ للإمعان في التمويه، والتهرب من المسئولية، اقتناعاً بمنطق فلسفي غريب، وهو "الغاية تبرر الوسيلة" فكيف تكون الغاية مستحقة ومشروعة من خلال الخيانة والسطو، وسرقة الدرجات وانتهاب حق الآخرين بغش وخداع.

ومن أسواء الوان الغش سرقة الأفكار والبحوث الإنسانية والمؤلفات العلمية، وادعاء السارق أنها ملكه، ونتاج جهده وفكره، ليتكسب بها بالغش والخداع، مرتكبا ظلما محرما، نهى الله تعالى عنه، وحذرت السنة النبوية من الوقوع فيه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الظلم ظلمات يوم القيامة"([5])، وقوله: "من غشنا فليس منا"([6]).

إن سلوك الغش والخداع في كافة الصور والأحوال انحراف ضال وتغييب للعدالة، ونشر للكسل والخمول، خاصة في ظل التقنيات الجديدة التي تعين على هذه الآفة النكراء.

دكتور/ السيد محمد الديب
Sayed.addeeb@hotmail.com


([1])  رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه والدارمي.
([2])  رواه الترمذي بسند حسن.
([3])  شانه: ساسه وذمه وقبحه.
([4])  من كتاب "من وصايا الرسول" لـ/ طه عبد الله عفيفي، ص633.
([5])  البخاري ومسلم والترمذي من حديث ابن عمر.
([6])  رواه البزار بإسناد جيد من حديث عائشة.