راعى الشرع الحكيم أحوال الناس مع الصحة والمرض، والصغر والكبر، والغنى والفقر، إذ أن استقامة حال الإنسان على هيئة واحدة ثابتة شأن لا يتطابق مع طبيعة الحياة، واعْتُبر المرض إحدى الحالات أو الأوضاع الطارئة التي تلحق بالإنسان وتوقف حركته عن المسير كسائر النظراء.

وقد عامل الإسلام المريض باستحقاقات مقررة، وبشأن يختلف فيه عن الأصحاء ورَفَع عنه الحرجَ في الجهاد، وممارسة الكثير من العبادات بتخفيفات ميسرة حسب طاقته، وسائر سبل الاستطاعة لديه.

إن المرض إحدى ابتلاءات الله تعالى للإنسان، التي يقاس بها مدى صبره وتحمله، أو ضيقه وتبرمه، قال تعالى: (وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً)([1])، وعلى المريض أن يرضى ولا يشتكي باعتبار أن المرض نوع من العبادة التي يُساق الإنسان إليها، دون أن تكون له رغبة فيما يلحق به، ولا يجزع، بل عليه أن يتجه إلى الله بالشكر على ما امتُحن به، إذ أن معاناته، واضطراب ميزان حياته بعض المكفرات عما يمكن أن يكون قد ارتكبه من إثم أو منكر، وأن تحمّل المرض عبادة جليلة.

الدعوة إلى زيارة المرضى:

لقد دعا الإسلام إلى تكامل المنظومة الاجتماعية، وتقريب المسافة بين أفراده، وتمام تعاونهم، ومساعدة الضعفاء منهم، وزيارة المرضى الذين أقعدتهم العلة عن تفعيل أدوارهم في الحياة، وحتى لا يشعر المريض أنه محاصر في فراشه، ومنقطع عن الآخرين، أو أنه على مشارف الموت، فتزداد معاناته، وتتكاثر الهموم عليه.

وتعددت أساليب الدعوة إلى عيادة المرضى، وذلك من خلال أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أطعموا الجائع وعودوا المريض وفكُّوا العاني"([2])، ذلك أن هذا الحديث النبوي تذكير بحسن معاملة الضعفاء وتطبيب ومواساة للمكروبين فيما لحق بهم.

ومعنى عيادة المريض: أن يعود إليه الإنسان بالزيارة مرة بعد أخرى، كما أن هذه العيادة ليست تفضلا من الزائر على المريض، وإنما هي حق لهذا الثاني، الذي تُعد زيارته سنة مؤكدة على المسلم، أو فرضَ كفاية، بحيث ينهض مَن تمكنه حالته مَنْ الزيارة بالمعايير الضابطة، وبحيث ينهض الزائر بما يجب عليه من خلال معايشته لحال المريض على العموم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس".([3])

فهذه الحقوق ومنها عيادة المريض منظومة أخلاقية متكاملة، ترسخ صورة المجتمع المسلم، الذي تتقارب فيه الروابط الاجتماعية بين سائر طوائفه بمن فيهم من الأصحاء والمرضى.

وجاءت دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى زيارة المرضى على كافة أحوالهم، فللرجل أن يزور المرأة، وللمرأة أن تزور الرجل باشتراطات معينة، كالتستر وأمن الفتنة، وعدم تحقيق الخلوة بما يسهم في تفعيل التقارب بين أفراد المجتمع.

ولا حرج في عيادة المرضى من أهل الكتاب فإن زيارتهم لا تخلو من فوائد في أغلب الأحوال، فعن أنس رضي الله عنه قال: "كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده، فقعد عند رأسه، فقال له: أسلم. فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال له: أطعْ أبا القاسم صلى الله عليه وسلم. فأسلم. فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: "الحمد لله الذي أنقذه من النار"([4])،  وكان اسم الغلام عبد القدوس، والمصلحة في هذه الزيارة قد تكون في دعوته إلى الإسلام، وكفِّ شرِّه أو تأليف قلبه، ونحو ذلك، خاصة إذا كانت هذه الطوائف إحدى المكونات الاجتماعية، وإذا كان صبر المريض ثوابا له فإن الثواب يشمل الزائر أيضاً، فقد روي أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقول الله عزّ وجلّ يوم القيامة: يا ابن آدم مرضت فلم تعدني؟ قال يارب كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلان مرض فلم تَعُدْه، أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده".([5])

إن زيارة المرضى تخفيف على المريض، وإشعارُ أهله بأنهم ليسوا وحدهم في الأخذ بيد مريضهم، وإنما يقف الآخرون معهم في تحمل هذا الرُّزء الأليم.

دكتور/ السيد محمد الديب
Sayed.addeeb@hotmail.com


([1])  الأنبياء (35).
([2])  رواه البخاري 5649، ج10، ص117 (فتح الباري).
([3])  متفق عليه.
([4])  اللفظ للبخاري في كتاب الجنائز (1356) ثم ذُكر موجزا في باب عيادة المشرك (5657).
([5])  رواه مسلم.