يعتمد الإنسان في كثير من غذائه ودوائه على ما تغله الأرض من خيرات متعددة لتصل إلى الحيوان والطير، ولذا تتحتم العناية بها، وعدم إماتتها بالقضاء على أهليتها للإنبات والتشجير.

والأرض الميتة: هي التي لا تُخرج زرعا ولا ينمو فيها نبات فلا ينتفع بها؛ لأنها أرض لا يصل إليها الماء، أو أن طبيعتها غير مجهزة للإنبات، أو للإنصراف عنها لعدم وجود العامل الفالح، الذي ينهض بإحيائها بالوسائل الملائمة لها، خاصة أن الأدوات الحديثة يمكن أن تُحقق إصلاحات كثيرة إذا مورست بصورة جماعية، تتحول بها الأرض الجرداء إلى مساحات خضراء مبهجة.

وتعد الأرض الميتة بعدم الزراعة فيها آية من آيات الله في الأرض، عندما يهبط عليها الماء فيخرج منها النبات والشجر، الذي تخضر به الحياة، ويتواصل الوجود على الأرض بالإنسان والحيوان والطير، هذه الكائنات التي تستفيد ببعضها؛ اعتمادا في المقام الأول على الناتج من الأرض، وتصير المنظومة الكونية إحدى آيات الله الإعجازية القابلة للتأمل والاعتبار، قال تعالى: (وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ {33} وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ {34} لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ)([1])

فالأرض المذكورة هي أرض ميتة في الأصل تم إحياؤها بالمطر، وحفر الآبار وجريان الأنهار، ثم استثمرت بالأيدي العاملة، بما يؤهل المستفيدين من نتاجها لشكر الله سبحانه وتعالى، فالأرض لم تكن صالحة للزراعة، لكنها خضعت لجهد الإنسان ونشاطه وفكره فصارت مخضرة مثمرة.

وزراعة الأرض وتشجيرها دعوة إسلامية، وطبيعة أوجدها الله في الإنسان؛ ليبقى لصيقاً بالأرض ومقدراً لوجودها وتأثيرها عليه.

وقد نبه القرآن الكريم إلى المزيد من التعرف على قدرة الله في إنبات الزرع، من خلال وضع البذرة في الأرض الصالحة، ووصول الماء إليها، حتى صارت الحبة الصغيرة تحمل دوحة كبيرة، تتفرع جذورها في الدائرة المحيطة بها، قال تعالى: (أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ {63} أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ)([2]).

فالزراعة الداعمة للتأمل والاعتبار تعتمد على أرض صالحة محروثة؛ وماء عذب أنزله الله من المزن، وتحركت به الأنهاء لزراعة الأرض وإحيائها في ظل الهواء الذي يملأ أرجاء الكون.

وتأكت إحساسات الرسول – صلى الله عليه وسلم – بقيمة الأرض وأهمية زراعتها وذلك بعد الهجرة إلى المدينة المنورة، فوجه أصحابه رضوان الله عليهم إلى زراعة الأرض وعدم إغفالها بتركها بلا زرع، وأقواله في هذا الشأن كثيرة ودالة، فقال عليه الصلاة والسلام: "إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة([3])، فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليغرسها"([4])، وعن أنس رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم "ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة".([5])

ولا يصلح بأي حال من الأحوال أن تترك الأرض بلا زراعة، أو تكون مزروعة فيتم تبويرها وتحويلها إلى أغراض كَسْبيهَ، أو تكون صالحة ومؤهلة للإحياء ويبقى الناس أمامها كسالى بلا حراك. وقد اشتمل الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الأمر بالإرشاد والتوجيه، فقال عليه الصلاة والسلام: "من كانت له فضول أراضين فليزرعها أو ليُزرعْها أخاه".([6])

وتعددت أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يتصل بالمزارعة وكراء الأرض وطرق المحاسبة، والتعامل بين مالك الأرض وزارعها، بحيث لا تبقى بلا زارع يعمل فيها ويُؤجر بها، فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعطى خيبر اليهود على أن يعملوها([7])، ويزرعوها، ولهم شَطْر ما يخرجُ منها. ([8])

وتكون حسابات المزارعة بما يتم التوافق عليه بين صاحب الأرض وزارعها، ولو كانت الأرض الميتهَ بلا مالك لها، وتم إصلاحها للزراعة فهي لمن أحياها بالضوابط الحاكمة، فعن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أعمر أرضا ليست لأحد فهو أحق".([9]) أي بها، وهذا ما قضى به عمر رضي الله عنه في زمن خلافته.

دكتور/ السيد محمد الديب
Sayed.addeeb@hotmail.com


([1])  يس (33- 35).
([2])  الواقعة (63، 64).
([3])  فسيلة: نخلة صغيرة.
([4])  رواه أنس بن مالك بإسناد صحيح.
([5])  اللفظ للبخاري ورواه مسلم والترمذي.
([6])  رواه البخاري ومسلم وابن ماجه والترمذي والنسائي وابو داوود.
([7])  يعملوها، أي يعملوا فيها بالزراعة.
([8])  رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري..
([9])  اللفظ للبخاري (2335).