قال الدكتور السيد محمد الديب الأستاذ بجامعة الأزهر إن الرسول صلى الله عليه وسلم قد جمع في هذا الحديث الشريف "مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا" ثلاث نعم للإنسان تمثل عماد حياته وأساس سعادته، وقد تنعدم واحدة أو اثنتان منها فيحيا الإنسان في قلق ومعاناة ويحدث هذا كثيرا كنوع من الابتلاء، الذي يتحتم مواجهته بالتحمل والصبر والسعي إلى رفع الضرر بما لديه من وسائل ومعالجات بنفسه أو بمعاونة الآخرين.

وتابع الديب في حواره لبرنامج (جواب الشرط) أنه إذا شاء الله تعالى أن تكتمل له النعمة ويتحقق ما أشار إليه الحديث في عبارة الشرط وهي "مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ" فإن النتيجة تكون كما في جواب الشرط وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم "فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا"، وهذا هو النص التعبيري الذي أفاض الرسول صلى الله عليه وسلم به على أمته وعلى سائر خلق الله تعالى.

وأشار الأستاذ بجامعة الأزهر إلى أن الحديث بدأ بقول الرسول صلى الله عليه وسلم "مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ" أي من بات ليله وأصبح في نهاره آمن مع نفسه ووقاية أهله وماله فيستقر وعيه وتفكيره وتبذل طاقته في عمله وعلمه وعبادته وهذه هي النعمة الأولى.

وأضاف أن النعمة الثانية كما في الحديث "مُعَافًى فِي جَسَدِهِ" أي سليما في بدنه ظاهرا وباطنا صحيحا من العلل والأسقام، بحيث يستطيع أن يحرك يديه وقدميه ويأكل ويشرب مستمدا طاقته التي تعينه على الحركة والحياه، كما ذكر الحديث النعمة الثالثة وهي "عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ" من الحلال وهذا يكفي وليس قوت شهره ولا قوت سنته، إذ لا ضمان في تأكيد الاستمرار للحياة فبيانه عند علام الغيوب.

وأوضح أن جواب الشرط قد جاء تعبيرا وتصويرا لمن منحه الله تعالى هذه النعم المتعددة المختارة فتكون سعادته التامة التي لا يسعى الملوك إلى الزيادة عليها، وذلك قوله صلى الله عليه وسلم "فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا" أي كأنما جمعت له الدنيا مكتملة بأسرها أو بجوانبها وأعاليها، فمن تحققت له هذه النعم المذكورة فقد جمع الله له الخير والراحة والطمأنينة فيلزم لذلك شكر الله تعالى بالمداومة على الطاعة والرضا بما في حوزته دون نسيان وتجاهل.

وختاما ذكر أنه يدخل في هذه النعم ألوان أخرى وإكرامات متعددة ويضاف إلى حصيلة النعم الإلهية للإنسان؛ الوقت المباح والمتاح لإنجاز المهام المستهدفة من عبادة وعمل، فالزمن مع الصحة نعمتان ذكرهما الرسول صلى الله عليه وسلم فقال في حديث رواه ابن عباس رضي الله عنهما "نعمتانِ مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس: الصحة والفراغ" فمن افتقدهما أو افتقد واحدة منهما فهو مغبون لأنه مسلوب لرأس المال الذي يتوصل به إلى تحقيق مبتغاه، ولا ينبغي أن تعلو ذات الإنسان فوق حدودها فيصاب بغرور لما آل إليه غافلا عما يجب عليه من اليقظة والاحتراس، لأن ما لديه قد يكون ابتلاء واختبار، فإما أن يصمد فيه فتسمو نفسه وتعلو همته، وإما أن يتهاوى فتكون العواقب وخيمة وضارة كما قال الشاعر أبو تمام:

قد ينعم الله بالبلوي وإن عظمت .. ويبتلي الله بعض القوم بالنعم..

وفي هذا المقام يحسن إلى جانب شكر الله تعالى الاتجاه إليه بالدعاء، ومن الأدعية المأثورة في هذا الشأن "اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة" والأدعية فوق هذا كثيرة.

يذاع برنامج (جواب الشرط) عبر أثير البرنامج العام من إعداد وتقديم هبة عاشور.

الكاتبة: إيناس عبد الرحمن

المصدر: موقع الإذاعة المصرية