إن زيارة المرضى صورة إيجابية للتماسك الاجتماعي، وإعلان أن الإسلام قوة متماسكة في جبر خواطر الضعفاء، وتأكيدٌ أن الإسلام ليس للأصحاء فقط، وأن المرضى محل تقدير واعتبار، وليسوا منفيين من الحياة، فإذا برئ المريض فإن ذهنه يكون مشغولا بالإحسان إلى من تفضل عليه بالزيارة قال تعالى: (هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ)([1])، أما الزائر فقد حصّل ثوابا مستحقا من الله تعالى، ونال التقدير من أهل المريض، الذين تأكد إحساسهم بأنهم ليسوا وحدهم في تحمل الهموم والأحزان، ومادامت زيارة المرضى لها اعتبار أصيل وتقدير كريم في الشرع الحكيم فلابد من القيام بها بصورة يتحقق الهدف منها للمريض فيزداد أمله في الشفاء، ويعود الزائر سعيدا بما نهض به في تخفيف الألم والمعاناة عن المريض.
وينبغي أن تكون هذه الزيارة مشفوعة بمجموعة من الآداب، التي يُراعى فيها حال المريض، والقائمين على العناية به وخدمته، وكان للرسول صلى الله عليه وسلم منهج واضح وسلوك رشيد في تفعيل هذه الآداب، فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أتى مريضا أو أُتى به إليه قال عليه الصلاة والسلام: "أذهب الباس، رب الناس، اشف وأنت الشافي، لا شفاءَ إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما".([2])
ويراعى إرشاد المريض إلى وجوب التداوى، وعدم اليأس من الشفاء، ورفض الاستسلام للهموم، فقد رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: "تداوْوا عباد الله، فإن الله لم يضع داءً إلا وضع له شفاءً، إلا داءً واحداً الهَرَم"([3])، والتداوي إنما هو للأخذ بالأسباب، وليس لرد القضاء، وذلك كدفع الجوع بالأكل، والعطش بالشرب.
وينبغي للزائر أن يراعى حالة المريض، ويكون ذلك بالدعاء له، وزيادة تأميله في الحياة، فعن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دخلتم على المريض فنفِّسوا له في أجله فإن ذلك لا يردُّ شيئاً، ويطّيبُ نفسه"([4]) ويؤكد له أن الشفاء من الله تعالى، وحتمية الرضا بما لحق به، وعدم اليأس مما أصابه، قال تعالى: (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ)([5])
وقال الشاعر:
إن الطبيب له علم يدلُّ به *** ما دام في أجل الإنسان تأخيرُ
حتى إذا انقضت أيام مهلته *** حار الطبيب وخانته العقاقيرُ([6])
ويجب أن يراعى الزائر عند زيارته عدم التحدث فيما يولد الضيق واليأس والخوف في نَفْس المريض كأن يذكره بالموتى، والذين أصيبوا بمثل مرضه فماتوا، وبما يمكن أن يكون من اختلاف الورثة حول ما سيؤول إليهم، ومثل هذا الكلام يولد آثارا ضارة، خاصة فيمن غير المرض من اتساع صدورهم وتحملهم لقضاء الله تعالى.
ويراعى عدم الإطالة في الجلوس إلا إذا اقتضى الأمر ذلك، كحاجة المريض إلى وجود الزائر كالطبيب والصديق الوفي، والعالم بالدين، والواعظ الحكيم، وفي هذا السياق نذكر بما يمكن أن يقال من الأحاديث النبوية أمام المريض كقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "ما يصيب المؤمن من وصَبَ ولا نصب، ولا سقم، ولا حَزَن حتى الهم يهمه إلا كفر عن سيئاته"([7]) ومن آداب الزيارة أيضا أن يتعفف الزائر عن تناول الأطعمة والأشربة، حتى لا يكلف المريض وأهله أعباء زائدة لا يقدرون عليها.
ويتأكد وجوب الزيارة من الجار لجاره، خاصة المريض الذي حبسه المرض عن شهود الناس، وأن تكون الزيارة على العموم ابتغاء وجه الله تعالى، وزيادة التقارب بين الأصحاء والمرضى، والتعاون على البر والتقوى، وعن أبي هريرة رضي اله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من عاد مريضا ناداه منادٍ من السماء: طِبت، وطاب ممشاك، وتبوأت من الجنة منزلا"([8])
إن زيارة المرضى خلق إسلامي قويم، ينبغي أداؤه على الوجه الأمثل، الذي يرضي الله تعالى عنه، ويحقق أهدافه عند المرضى وذويهم، والله الشافي، وهو على كل شيء قدير.
دكتور/ السيد محمد الديب
Sayed.addeeb@hotmail.com
([1]) الرحمن (60).
([2]) متفق عليه، ورواه النسائي، واللفظ للبخاري حديث 5675 (فتح الباري ج10، ص136)، ومعنى: شفاء لا يغادر سقما أن الشفاء لا يعقبه مرض آخر، وفي رواية لمسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمسح بيده اليمنى على المريض.
([3]) أخرجه أحمد والبخاري وصححه الترمذي وابن خزيمة والحاكم (فتح الباري ج10، ص141).
([4]) رواه الترمذي وابن ماجه، ومعنى: نفسوا له في أجله: أن يقولوا له ما يشعره باتساع أجله، كان يقول الزائر له حالتك حسنة، وإنك بخير وإنك ستشفى بإذن الله تعالى.
([5]) الشعراء (80).
([6]) من وصايا الرسول، ص873.
([7]) رواه مسلم من حديث أبي هريرة.
([8]) رواه الترمذي وحسنه، وابن ماجه ، وابن حبان.