أوضح القرآن الكريم أن خروج النبات من الأرض بالماء الهابط من السماء إحدى معجزات الله تعالى للبشر، وذكر القرآن الكريم أسماء كثيرة لأنواع من الأشجار والثمار، والفواكه والخضروات وغيرها كالنخيل والأعناب والزيتون والأقماح والحبوب مما يستعمل في الأطعمة والأشربة وكثير من الأدوية، وجعل كتاب رب العالمين مصطلح الشجرة ذا علامات ودلالات متعددة، وكانت بيئة الحجاز موضعا لبعض الزراعات كالزيتون، هذا الذي تكثر زراعته في أنحاء كثيرة بطور سيناء، والشام وغيرها، فقال تعالى عن هذه الشجرة: (تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاء تَنبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلْآكِلِينَ)([1])، وقال تعالى: (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ {1} وَطُورِ سِينِينَ).([2])
وقد ذكر القرطبي ما نسبه إلى الآخرين من أن الله سبحانه وتعالى قد أقسم بالتين: لأنه كان ستر آدم في الجنة لقوله تعالى: (يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ)([3])، وكان ورق التين، وقيل أقسم به ليبين وجه المنة العظمى فيه، فإنه جميل المنظر، طيب المخبر، نَشِر الرائحة سهل الجنى، على قدر المضغة. ([4])
قال تعالى: (يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ)([5])، وذكر القرطبي في بيانه قال: "وهو أكثر أُدم أهل الشام والمغرب، يصطبغون به([6])، ويستعملونه في طبيخهم ويستصبحون به، ويداوى به أدواء الجوف والقروح والجراحات، وفيه منافع كثيرة، وقال عليه السلام: "كلوا الزيت وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة.([7])
وحدد القرآن الكريم الفوائد الجمة لما يخرج من الأرض فالشجر يسجد ويسبح لله تعالى، وذلك قوله سبحانه: (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ)([8])، وقال: (وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ)([9])، ويمتد ناتج الأرض إلى الأغنياء وإلى الفقراء والمساكين وسائر المحتاجين الذين يستحقون الصدقات، وسائر أنواع الزكوات.
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يعيش في بيئة صحراوية جافة، وهي مباركة ميمونة في نطاق مكة المكرمة، تلك التي كانت مستهدفة لغرض تشريعي قديم، منذ عهد إبراهيم عليه السلام فمع صحراويتها، وعدم نمو الزرع فيها لكنه – عليه السلام- طلب من الله أن يرزق أهله من الثمرات، وبقي هذا الميراث الخالد ذخراً لمحمد عليه الصلاة والسلام بين قومه، فاعتمدوا على جلب الطعام وسائر أنواع الميرة من اليمن والشام، لكن الوضع بعد الهجرة صار مختلفاً ففي المدينة نخيل وشجر، وبعض الأرض التي تصلح للإنبات، فدفع الوافدين من أصحابه المهاجرين للخروج إلى الفضاء الواسع الصالح للزراعة؛ لينبتوا الأرض، ويُطعموا الطير، أو يعملوا بالزراعة في بساتين أهل المدينة المقيمين فيها والمستقبلين بها للمهاجرين الجدد، الذين صاروا أمة واحدة رضي الله عنهم جميعا.
وسائل الزراعة:
تنمو المزروعات على أرض صالحة مهيأة لنوع ما يزرع فيها، وتلك من أجل نعم الله على البشر قال تعالى: (وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ).([10])
ويعد الماء من أجل نعم الله للخلق فجسم الإنسان يحتوي على الماء، كما يخرج من باطن الأرض، ويسقط من السماء، ويجري في الأنهار، وتستمد منه الحياة وجودها وبقاءها وصدق الله تعالى إذ قال: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ).([11])
ولذا يجب الحفاظ عليه، وعدم الإسراف فيه، وحسن استثماره فهو بمثابة العمود الفقري لإنبات الأرض، التي يخرج منها غذاء سائر الكائنات الحية قال تعالى: (فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ {24} أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبًّا {25} ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا {26} فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا {27} وَعِنَبًا وَقَضْبًا {28} وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا {29} وَحَدَائِقَ غُلْبًا {30} وَفَاكِهَةً وَأَبًّا {31} مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ).([12])
فما أقسى أن تكون دعوة الإسلام واضحة جلية في الحض على النشاط والحركة، وزراعة الأرض بكل ما ينفع ويفيد، ثم يحدث الإهمال والتكاسل في الوقت الذي يواجه العالمُ أزماتٍ في الطعام وفي المياه، وفي الوجود الآمن على سطح الأرض.
دكتور/ السيد محمد الديب
Sayed.addeeb@hotmail.com
([1]) المؤمنون (20).
([2]) التين، (1، 2).
([3]) الأعراف (22).
([4]) تفسير القرطبي، ج20، ص111.
([5]) النور (35).
([6]) أي يأتدمون به.
([7]) تفسير القرطبي، ج20، ص112.
([8]) الرحمن (6).
([9]) الإسراء (44).
([10]) الحج (5)، وهامدة أي يابسة واهتزت وربت أي تحركت وزادت ويهيج أي صنف جمعها.
([11]) الأنبياء (30).
([12]) عبس (24 – 32).