العلمانية : غرباً وشرقاً

1 دقيقة قراءة
بواسطة Ahmed Eldeeb
العلمانية : غرباً وشرقاً

كثرت الحوارات الدينية والثقافية فى السنتين الماضيتين بعد أن شارك الإسلاميون فى صناعة المشهد السياسى فى عدد من البلدان العربية الإسلامية ، ولم يكن ذلك محلاً للرضا عند الكثيرين ، الذين رأوا فى الحاصل حضوراً أو رضوخاً للدولة الدينية ، وتغييباً للدولة المدنية التى تمذهبت بها ، أو احتكمت إليها تلك الدول المعنية ، ولذا علت الأصوات بجهارة وجسارة عن العلمانية والليبرالية واليسارية ، بعد أن كانت تلك الأصوات تعيش بعلمانيتها وبأفكارها فى هدوء ، ولا تحاول أن تمليها على الآخرين بحدة وشدة غالباً ، إلى أن وجدت نفسها فى مأزق يستحق أن تتخلص منه ، ويتمثل فى الإيمان بالمبادئ والأفكار مع الصمت الذى لم يعد مقبولاً فى ظل المتغيرات الحادثة على أرض الواقع .

أولاً : بيان المصطلح

إن أبسط ما يمكن قوله فى تعريف العلمانية : أنها تعنى فصلَ الدين عن الدولة ، وبمعنى أشمل : فصل المؤسسات الدينية عن السلطة السياسية ، وصولاً إلى عدم تحديد دين رسمى للدولة ، وهذا ما يتحقق فى الدول التى تتعدد فيها الديانات بما يصل إلى العشرة أو يزيد عنها ، فيحقق هذا الإطلاق -- حسب الاعتقاد -- الحماية للدولة ، وتماسك مؤسساتها     ولا يتوقف الأمر عند هذا المدى فإن بعض الدول تحرص على الفصل بين الدين والسياسة ؛ حتى لو كانت الديانة فى حدود اثنتين أو ثلاثة ؛ احتكاماً للرؤية الليبرالية المتسعة القائلة بأن سائر النشاطات البشرية كالثقافة والتعليم والأدب والفلسفة ، وسائر المعارف العلمية يجب أن تكون غير خاضعة لتوجهات المؤسسات الدينية فى ظل الحريات المطلقة .

والتفسير اللغوى للعلمانية أنه مصطلح منسوب إلى العَلْم بمعنى العالم -- على غير القياس -- وهو خلاف الدينى أو الكهنوتى([1]) ، وتنقل المواقع الإلكترونية عن دائرة المعارف البريطانية ، أن العلمانية .. حركة اجتماعية تتجه نحو الاهتمام بالشؤون الدنيوية بدلاً من الاهتمام بالشؤون الأخروية ، وتعتبر جزءاً من النزعة الإنسانية التى سادت منذ عصر النهضة الداعية لإعلاء شأن الإنسان ، والأمور المرتبطة به ، بدلاً من إفراط الاهتمام بالعزوف عن شؤون الحياة ، والتأمل فى الله واليوم الآخر .

ولم يكن للعرب والمسلمين شأن وارتباط بهذا المصطلح ، وتطبيق معطياته فى الحياة بمختلف نشاطاتها ، ولكن المولد والنشأة والارتقاء كان أوربياً بحتاً ، وتقدم الإرهاص لذلك منذ القرن الثالث عشر الميلادى ، والذى ارتبطت الدعوة به إلى الفصل بين السلطتين السياسية والدينية ، ولم يسفر ذلك ابتداء عن أثر ملموس منذ ذلك الحين ، وإبان القرنين الرابع عشر والخامس عشر الميلاديين تلك الحقبة الزمنية ، التى كانت عصوراً للظلام من جراء خضوع الحياة السياسية فى أوربا لسيطرة التوجيهات الدينية من الكنيسة المسيحية ، بمعنى تحكم المؤسسة الدينية فى الأنشطة البشرية ، خاصة الأوضاع السياسية ، وانعكس ذلك على طوائف المجتمع الذى انقسم إلى ثلاث طبقات ، أولها : الأكليروس ، وهى الطبقة الدينية الحاكمة ، وهم : "كهنة الكنيسة والقساوسة والرهبان وعلى رأسها ( البابا ) الذى كان بمثابة ملك ملوك أوربا ، ولهذه الطبقة ( قداسة ) مستمدة من قداسة الكنيسة ، ولا يجوز معارضة قراراتها مهما كانت مجحفة " ([2]) .

وثانى الطبقات النبلاء والأشراف ، وهم الإقطاعيون الكبار ، ومنهم الحكام السياسيون الذين يستغلون الشعب ، ويرضى عنهم رجال الدين ، وهاتان الطبقتان أصحاب مصالح مشتركة ؛ أما الطبقة الثالثة فيمثلها عامة الشعب ، هؤلاء الذين يقومون بسائر الأفعال من زراعة وصناعة وتجارة ، والتى توجَّه نواتجها لمصلحة رجال الدين ، ورجال المال والسياسة

ثانياًً : نشوء العلمانية

بدأت الدعوة إلى الفصل بين السلطتين الدينية والمدنية فى القرن السادس عشر الميلادى مع عصر النهضة الأوربية ، وكان ذلك إرهاصاً لنشأة العلمانية كمذهب فكرى وتنظيمى وعقدى وفلسفى فى القرن السابع عشر الميلادى .

ولم تتوقف الدعوة إلى العلمانية عند حدود أوربا ، بل انتقلت خلال الحقب التالية إلى معظم بلدان العالم ، واختلفت مستويات الإيمان بها والدعوة إليها بين دولة وأخرى ، واقتصر الفهم والتناول العام لها على مستويات الفصل بين الدين والحياة ، وزادت سطوتها عند بعض الدعاة لها ، وتوسعوا فى فهم أحوالها ومقدار التعامل بها ، واشتمل ذلك كثيراً من المعتقدات ، سواء أكانت دينية أم غير دينية ، وضمُّوا إليها ( الليبرالية ) مع الاختلاف فى كثير من الضوابط والمكونات لكل واحد من هذين المصطلحين ، وأصبح الربط بين العقيدة الدينية ونشاطات الحياة محل اختلاف عند المنظرين فى مجال التطبيق على أرض الواقع .

وصار تحديد الديانة فى الدساتير الدولية على ثلاثة توجهات ، فبعض الدول تنص على الهوية العلمانية بما يعنى عدم تحديد ديانة معينة ، وهو الحاصل فى أمريكا وفرنسا وغيرهما.

واتجاه ثان لا يُنَصُّ فيه على تقرير العلمانية ، وإن دلّ التطبيق على عدم تحديد دين معين ، وهو الحاصل فى استراليا وغيرها .

أمّا الاتجاه الثالث فيحدد الدستور ديناً للدولة ، وهو الحاصل فى مصر واليونان وغيرهما ، ولا شكّ فى أن إقرار ديانة محددة لدولة معينة يأتى مقبولاً فى البلاد الإسلامية ، التى تسلك ذلك ، ما دام النص على التحديد قد راعى الحقوق والواجبات لأصحاب الديانة أو الديانات الأخرى فى الاحتكام إلى شرائعهم ومعتقداتهم .

ثالثاًً : الدعوة إلى العلمانية فى البلاد العربية والإسلامية .

جاء عصر النهضة الأوربية شاهداً على فك الارتباط بين سيطرة رجال الكنيسة المسيحية والحياة السياسية ، والانعتاق من ظلام القرون الوسطى ، ولم تكن الدول العربية ، وأكثر البلاد الإسلامية بعيدة عن مسيرة الأحداث والمتغيرات شبه الكاملة فى نظم الحياة ، منذ بداية عصر النهضة الأوربية ، وصار كل ذلك مرشحاً لنقله وتفعيلة فى دول الشرق العربى الإسلامى .

وكان محمد على ( باشا ) من أوائل الساعين لإبعاد الدين عن الحياة السياسية دون أن يشمل ذلك الأحوال الشخصية والمواريث وبعض القضايا الأخرى ، إذ يُعَدُّ نظام الحكم وسلطة الإدارة هى الأكثر تعرضاً للصدام والمد والجزر بين الحكام والمحكومين . وأعتقد أن ذلك لم يتبلور أو يتجلّ بشكل سافر -- فى مصر -- خاصة ، فقد كانت المؤسسة الأزهرية ذات دور بارز فى توجيه الأحداث السياسية والدينية وفق المتطلبات القومية والاجتماعية .

وكانت الأوضاع فى أوربا -- إبان القرون الوسطى مختلفة من ناحية الهيمنة الكنسية ، وسيطرة طبقة ( الأكليروس ) على مقاليد الأمور ، واصطفاء الطبقة البرجوازية بما تحت أيديها من ثروة وإدارة وأنظمة حاكمة ، كل ذلك كان مختلفاً تماماً عن الوضع فى الدول الإسلامية ، والتى كان أكثرها واقعاً تحت الاحتلال الأوربى ، والذى بدأ يدعو بطريقته إلى العلمانية ، والتوسع فيها بمزيد من ( الليبرالية ) باختلاف فى المستوى بين بيئة وأخرى وبين وقت وآخر .

وارتَدتْ العلمانية فى السنوات الأخيرة أثواب التنوير بحنكة ومهارة من خلال بعض المتحمسين لذلك ، وهم الذين تربوا على الثقافة الغربية ، كما لم تعدْ العلمانية قاصرة على مسألة فصل الدين عن السياسة ، وإنما كان السعى جاداً لإبعاده عن كل مناحى الحياة ، وعزله عن سائر متطلبات الناس ، والتحذير من أن ينهض الدين بأى دور فى تنظيم حياة البشر.

وواصلت الدعوات المتحمسة لتفعيل العلمانية على أرض الواقع مسيرتها بين مد وجَزْر، وقبول من البعض ، ورفض من الأكثرية ، التى ترى وتؤمن بأن ما فى الشريعة الإسلامية ما يكفى لتنظيم حياة الإنسان .

ولم يكن دعاة العلمانية على درجة واحدة فى تفسير هذا المصطلح وتطبيقه ، فيقصره جماعة على الديمقراطية ، وترك قضية تجنيب الدين عن الحياة لعدم مطابقة ذلك للواقع العربى والإسلامى ، مع توظيف ( العقلانية ) فى الممارسات السياسية الرشيدة ([3]) .

ويرى آخرون الاقتصار فى فهم ( العلمانية ) على الفصل بين الدين والسياسة ، وذكر الدكتور / محمد عبد الفضيل القوصى -- فى مقالة له -- شأن فريق آخر يتمثل فى التحذير من مرئيات دعاة التنوير كواجهة للعلمانية ، هؤلاء الذين لا يقتصرون فى فهمها على أنها عزل الدين عن المجتمع والحياة ، وإنما يقولون فى جرأة بالغة عن الإسلام بأنه الدين العلمانى بامتياز ؛ لأنه لا يعرف سلطة الكهنوت ([4]) .

وربما يكون مضمون هذا الاتجاه هو أشدُّ ما يُوجَّه إلى المجتمع العربى الإسلامى من سهام وطعنات تضربه فى صميمة ، وتصيبه فى مقتل ، حيث يؤدى ذلك إلى تنحية الدين تماماً عن واقع الحياة ، وفصله عن الأدب والثقافة والتعليم والإعلام وسائر الفنون ، وتجلى هذا -- للأسف الشديد -- فى كتابات كثير من الأدباء والمثقفين بمصر وبعض البلاد العربية تحت دعوى التنوير أحياناً ، والحداثة أو العلمانية أو الليبرالية فى أحيان أخرى .

رابعاًً : مثالب العلمانية وأضرارها الدينية والأخلاقية .

لم يتوقف الكثيرون عن التحذير من الدعوة إلى العلمانية ؛ لما يترتب عليها من نتائج حددها أحد الكتاب بقوله : "فقدان قيمة التدين لدى الكثيرين فى المجتمع ، وبات الإنسان الملتزم عرضه للسخرية والتقريع والإسفاف فى معظم الأعمال الفنية ، بل أصبحت الشعائر الدينية أيضاً مادة للتهكم والضحك والابتذال" ([5]) .

ورصد الكاتب سطوة دعاة العلمانية ، والتى أسفرت دعواتهم عن حالات العنف والفوضى ، والسقوط الأخلاقى ، والانحراف السلوكى ، وما نتج عنه -- حسب قوله - : "من تشويه متعمد للدين والمتدينين ، وتنحية القيم والعقيدة الإسلامية عن الحياة ، وغرس الأنانية وحب الذات ، ونشر الإباحية والعرى والجنس ، وترويج الخروج على الأعراف والتقاليد"([6]).

ويفزع العلماء والفقهاء والمثقفون الإسلاميون إلى الأزهر الشريف وسائر المؤسسات الدينية التى تنهض بنشر الدعوة ، وحماية العقائد الصحيحة ، ورعاية الأخلاق الفاضلة ، وصيانة المجتمع من غوائل الفكر العلمانى المستورد ، ودعوات الليبرالية القادمة من الغرب أو المستنبتة فى دول الشرق .

ونؤكد أن ثمت فروق وعدم توافق بين العلمانية والإلحاد ، فبعض العلمانيين ينكرون وجود الله كالماديين قديماً وحديثاً ، والشيوعيين من دعاة المادية التاريخية ، ولكن العلمانية منذ نشأتها لم تدع إلى الإلحاد ، إذ كان الهدف آنذاك فصلَ الدين عن شؤون العلم والحياة ، ولا مانع -- فى المسيحية -- من هذا الفصل ، فهى -- كما ذكر أحد الكتاب -- " تقبل ترك شؤون السياسة للحاكمين الدنيويين بعيداً عن توجيه الدين ، وهداية الله ، كما هو ظاهر المقولة التى ذكرها الإنجيل عن المسيح عليه السلام ( دع مالقيصر لقيصر ، ومالله لله ) "([7]) .

ولا توجد أو تتكاثر مشكلة تؤرق المعتنقين للديانة المسيحية ما دامت العلمانية لا تمسُّ الشعائر الدينية الخاصة بهم ، ولكن الأمر فى الإسلام مختلف ؛ لأنه جاء برسالة كاملة للحياة، ولا يصح أن تقتحم بفكر معارض ، فسوف يكون دخيلاً أو نشازاً فى مجموع المنهج الإسلامى ، الذى يقوم على ثنائية تكوينه من العقيدة الإيمانية وهى الأساس ، والشريعة وهى المنهج ، الذى يقوم عليه ويسير فيه سائر مكونات المجتمع الإسلامى ، فالمسلم الذى يقبل العلمانية بليبراليتها يُعدُّ معارضاً للإسلام ، وربما تصل به -- كما تقول إحدى المواقع الإليكترونية إلى " الكفر بالله تعالى إذا أنكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة مثل تحريم الربا أو الزنى أو شرب الخمر أو فرضية الزكاة ، أو إقامة الحدود ، أو غير ذلك من القطعيات التى أجمعت عليها الأمة ، وثبتت بالتواتر اليقينى الذى لا ريب فيه" ([8]) ، وإذا ما تأكد رفض العلمانى لمبدأ " تحكيم الشريعة من الأساس " فيجب أن يحكم بردته ، وأن يستتاب ، ثم تقام عليه الحجة ، ويُجرَّدُ من انتمائه إلى الإسلام .

وقد تدخل القضاء المصرى فى حالات متعددة ، حفظت النيابة العامة التحقيق فى واحدة، وحكم القضاء بالرِّدة فى حالة أخرى ، تمَّ التفريق بمقتضاها بين المحكوم عليه وزوجته ، وتمخض ذلك وغيره عن مشكلات كثيرة قابلها العلمانيون بالرفض والسخرية والازدراء ، إذ أن ثبوت الردة على شخص علمانى أو ليبرالى أو شيوعى ليست سهلة ؛ لما تستلزمه من إجراءات ، ولما يترتب عليها من نتائج .

خامساًً : آثار العلمانية فى البلاد العربية والإسلامية .

لم تسلم المجتمعات العربية والإسلامية من آثار العلمانية الأوربية ، فقد اخترقت الشرائح الاجتماعية ، وظهرت نواتجها على السلوكيات الفردية والجماعية مثل تنحية العبادة والقيم الدينية عن الحياة ، ولم يتحقق التقدم العلمى والتفوق الصناعى بالصورة المستهدفة ، وإن كانت الأسباب ليست راجعة إلى التمسك بالدين ، ومعاداة العلمانية وإنما لكسلٍ فاضح ، وتراخٍ ذميم ، وقصور عن فهم الشريعة الإسلامية التى تدعو إلى الفكر والتأمل ، وتحبذ العلم، وتحض على الابتكار ، وأحدثت هذه السلبيات ضرراً كبيراً بالإسلام ، ذلك أن الإغراق فى بحور الغيب ، والإهمال فى العمل ، والإقامة الطويلة فى دور العبادة ليست هى السلوكيات المفضلة ، لإرضاء الله تعالى ، ومواجهة الفكر العلمانى ولكن .. هل أوقف دعاة الشريعة الإسلامية بعض النخب المثقفة عند حدود معينة فى إيمانهم بجدوى العلمانية والترويج لآثارها المعاندة للقيم الدينية ؟ .

وهل جاء تقويم هؤلاء العلمانيين للإسلام تقويما منصفاً عادلاً ؟ ونعتقد أن الدعوة إلى فصل الدين عن الحياة وأنهم لم يجدوا فيه المنهج أو المشروع الكامل للحياة هذا ما يحتاج إلى مراجعة ، مع أن الإيمان الصحيح بالدين الإسلامى لا يعيق الحياة عن التطور من الناحية المادية بخاصة ، فضلاً عن الحياة الروحية ، وما فيها من قيم وأخلاق ومبادئ ، ولا شك فى أن الجدل لم ينته حول وجود علمانى مسلم فى ظل التطور الهائل لفهم العلمانية وتطبيقها على أرض الواقع ، مع أن الأصل فى هذا المصطلح أن الإيمان به لا يستلزم الانتقال معه إلى الإلحاد ، ولكن التوسع فى تطبيقه بالمجتمع العربى الإسلامى على حساب معاداة الدين ورفضه ، يمكن أن يصل بالعلمانى إلى الردة كما أن بعض العلمانيين يكررون ويلحون فى القول بوجود المسلم العلمانى ، مع أن العلمانية -- فى الأساس -- لا تعنى الإلحاد .

وقد مَسَك بعض الإسلاميين العصا من المنتصف ، ومارسوا جرأة ونقداً عنيفاً لبعض القضايا الإسلامية ، وأساء البعض فهم دعواتهم ومنشوراتهم فى نقد المنهج الإسلامى ، وكان أن صنّفهم البعض ضمن العلمانيين ، وهم ليسوا كذلك ([9]) وربما كانت هذه الآراء أو الأطروحات محدودة ، ويمكن توجيهها إلى أكثر من سبيل ينجو به من اعتدل وتبصر ، ويَهْوى فيه من تمادى وتجاوز ؛ حتى يسقط فى منزلق العلمانية ، وقد تحققت -- للأسف الشديد- تلك الانزلاقات فى كثير من وسائل الإعلام والثقافة والفنون وغيرها .

سادساًً : كلمة آخيرة

  • نخلص إلى أن العلمانية قد نشأت فى الغرب بسبب هيمنة رجال الدين على مقاليد الأمور إبان عصور الظلام ، وأن الاستعمار الغربى للبلاد العربية والإسلامية قد أسهم فى انتقال العلمانية إليها والترويج لها بوسائل متعددة .
  • ربما تكون الديانة المسيحية بعيدة عن الأضرار التى تنجم عن فصل الدين عن مناحى الحياة ، ولكن الأمر فى الإسلام مغاير تماماً .
  • أمعن دعاة العلمانية فى الجهر بحتمية عزل الدين الإسلامى عن الحياة بكافة أحوالها ونشاطاتها ، مما أسهم فى تخريب القيم الإنسانية فى المجتمع الإسلامى ، فزاد حجم التدهور الأخلاقى والعنف السلوكى ، والجرأة على الدين ، والسخرية من علماء الإسلام، وقد نجح رموز العلمانية بدرجة كبيرة فى تنحية الدين عن واقع الحياة .
  • جاء ظهور مصطلح ( الثيوقراطية ) مقابلاً للعلمانية ، ولكن ظهوره محدود ، وغير منتشر بشكل بارز ، وربما تجلت آثاره فى إيران بعد عودة آية الله الخمينى إلى طهران عام 1979م، وبداية عهد جديد مع عصر آيات الله من الرجال حسب التوجهات الشيعية.
  • تبقى مسئولية الأزهر وسائر المؤسسات الدينية بمصر خاصة ، فى الحفاظ على القيم الإسلامية ، وصيانتها من غلاة العلمانيين والليبراليين والشيوعيين ، ومن يتخفى تحت أقنعتهم ، فيمارس جرأة مذمومة وتطاولاً منكوراً على الإسلام والمسلمين .
  • يتضمن الإسلام مشروعاً كاملاً للحياة ، حدد معالمه كثير من مفكرى الإسلام ، ولا ضير فى الاحتكام إليه ، والسير فى مظلته والتشبع بأغطيته المادية والروحية ، فلا عداء بين الإسلام من جهة ، وسائر النواحى الحياتية من جهة أخرى .

الدكتور السيد محمد الديب

Sayed.Addeeb@hotmail.com

([1]) المعجم الوسيط ( جـ2 ص624 ) .
([2]) العلمانية ... للدكتور / محمد عبد المنعم العربى ص 4 طبع مطبعة الأمانة عام 1995م .
([3]) أشارت إلى ذلك دراسة بالموقع الإليكترونى ( ويكيبيديا ) .
([4]) جريدة الأهرام فى الثامن عشر من ديسمبر 2010م .
([5]) جريدة الأهرام فى الرابع عشر من أبريل عام 2013 ( من مقالة لبدر محمد بدر ) .
([6]) السابق .
([7]) موقع ويكيبيديا من مقالة بعنوان ( العلمانية والإلحاد ) .
([8]) السابق .
([9]) انظر كتاب ( العلمانية والعولمة ) للدكتور / كمال الدين عبد الغنى ص 50 طبع دار المعرفة الجامعية طبع عام 1999م .